الاصلاحات المطلوبة على السياسات الاقتصادية الكلية والمالية للسلطة الوطنية الفلسطينية
ورقة عمل
مقدمة الى مؤتمر الحوار بين القطاعين العام والخاص المنعقد في كانون الثاني 2014
1. مقدمة
إن الدور المهم والحيوي الذي يلعبه القطاع الخاص في أي بلد بوجه عام وفلسطين بوجه خاص في النشاط الاقتصادي يعتبر أساساً لاستمرار الدولة في قدرتها على تحقيق أهدافها بتوفير الخدمات الاساسية لأفراد مجتمعها وتحقق معدلات ملائمة من النمو الاقتصادي. وتنبع أهمية دور القطاع الخاص من المهمة الملقاة على عاتقه في احداث النمو الاقتصادي الذي يخلق فرص العمل. إلا أن القطاع الخاص الفلسطيني، وهو جزء من الوضع الفلسطيني الراهن، يعمل تحت ظروف قاسية بفعل الاحتلال، أعاقت قدرته على التطور والتقدم ومنعته من القيام بالدور المرجو منه كما هو الحال في الدول الاخرى. حيث عمدت السلطات الإسرائيلية ومنذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في عام 1967 الى إحباط محاولة الانطلاق والنهوض بالواقع الاقتصادي. ولم تتغير السياسات التعسفية لسلطات الاحتلال الاسرائيلي كثسرا بعد إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 1994. ومع استمرار تصعيد الإجراءات والسياسات الإحتلالية من إغلاق للمعابر وفرض قيود على حركة التجارة والبضائع، وفرض قيود على حركة الأموال والأفراد بين الضفة وغزة من جهة ومع العالم الخارجي من جهة أخرى ما هي إلا محاولة لجعل القطاع الخاص يتكبد مزيداً من الخسائر وتتشتت قدراته المالية والإنتاجية ويضعفه تجارياً للإبقاء على حالة التبعية للإقتصاد الإسرائيلي، وذلك لسببين رئيسيين أولهما ان إسرائيل تستطيع الضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية والحصول على تنازلات من خلال ضعف الاقتصاد وتجويع المواطنين، والسبب الثاني هو أن أي قوة للإقتصاد الفلسطيني سوف تكون على حساب الاقتصاد الاسرائيلي.
ومنذ قيام السلطة الوطنية وحتى الآن لا توجد سياسات إقتصادية تتعلق بالتنمية الزراعية أو الصناعية أو السياحية والتي هي مصادر الدخل الرئيسية، فمثلاً أهملت الزراعة والمناطق الزراعية وتنمية الموارد الزراعية وإعتمدنا على المنتجات الاسرائيلية، حيث كان من الممكن ان نتطور الزراعة والمنتجات الحيوانية لدرجة منافسة المنتجات الاسرائيلية على الاقل في بلدنا.
أما الصناعة فقد أهملت تماماً حيث ان إنشاء مصنع في بلادنا يحتاج الى ملايين حتى ينتج، فلأراضي الصناعية وغير الصناعية والبنية التحتية من كهرباء وماء ومجاري وخلافه من أعلى التكلفة في العالم وكذلك البناء بلإضافة الى عدم توفر اي دعم سواء في الانتاج أو التدريب أو التمويل أو التصدير، وينسحب ذلك على السياحة.
ولذلك يهتم القطاع الخاص الفلسطيني بتطوير السياسات والتشريعات المحفزة لنشاطه لتعزيز دوره في إحداث التنمية المستدامة. ومن أجل تحسين أداء الاقتصاد الوطني ككل، يعمل القطاع الخاص جاهداً للحد من البطالة والفقر وتأمين مستوى معقول من العيش الكريم لجميع المواطنين. ويرى القطاع الخاص أن الازدهار الاقتصادي ورفاهية المجتمع ليس فقط أحد مسؤولياته الوطنية والاجتماعية وإنما يخدم أيضا مصالحه المباشرة. ولهذا فهو يدعم جهود الحكومة الرامية لتمكين المجتمع الفلسطيني اقتصاديا وتعزيز مقومات صموده في مواجهة خطط الاحتلال. فالقطاع الخاص يدعم جهود الاصلاح وتطبيق السياسات الاقتصادية الجاذبة للإستثمارات.
2. الصورة الكبرى: إقتصاد مشوه لسلطة منقوصة السيادة
شكلت السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية سبباً أساسياً للتشوهات والاختلالات الهيكلية في البنية الاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية منذ الاحتلال العسكري للضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967. وفي إطار العلاقة غير المتكافئة والقسرية بين الطرفين، عمدت اسرائيل الى جعل المناطق المحتلة مصدراً للأيدي العاملة الرخيصة المستخدمة في سوق العمل الإسرائيلي وسوقاً استهلاكياً لمنتجاتها، في حين فرضت قيوداً عديدة على مختلف أوجه النشاط الاقتصادي الفلسطيني وخاصة الصناعي منه، وإستنزفت الموارد المالية للفلسطينيين من خلال فرضها لسياسة ضريبية تعسفية على الأفراد ومنشآت الأعمال. وقد أدت هذه الممارسات الممنهجة الى إضعاف فرص الاقتصاد الفلسطيني في النمو وتطوير قواعده الإنتاجية وبالتالي قدرته على امتصاص العمالة الفلسطينية التي كانت تتزايد بإستمرار، الأمر الذي حد من قدرة هذا الإقتصاد على تلبية إحتياجات السوق المحلي من السلع والخدمات وفرض واقعاً من النمط التبعي الإجباري لسد فجوة الطلب في السوق الفلسطيني عن طريق الاستيراد من اسرائيل. وأصبحت العلاقات التجارية للفلسطينيين محصورة بشكل شبه كامل مع إسرائيل وحُرموا بالتالي من الاستفادة من فرص التصدير التي كان من الممكن أن تتاح لهم مع الدول العربية والإسلامية، ومن فرص استيراد المواد الخام والمكائن ومستلزمات الإنتاج الأخرى من هذه الدول. هذا إضافة الى تعمق الفجوة في الموارد الطبيعية المتاحة للإستغلال من قبل الفلسطينيين، حيث تعرضت مختلف هذه الموارد مثل الأرض والمياه لعملية نهب متواصلة من قبل سلطة الإحتلال الإسرائيلية.
وما زاد من عمق هذه التشوهات وتاثيراتها السلبية على المجتمع والاقتصاد الفلسطيني عدم تمكن السلطة الوطنية الفلسطينية بعد تأسيسها في عام 1994 من صياغة وتنفيذ رؤية واضحة للخلاص من هذا الواقع، وعدم تمكنها من لعب دور الرافعة التنموية خلال المرحلة الانتقالية. وقد يكون من أهم أسباب عدم قدرة السلطة على تغيير هذا الواقع فقدانها السيطرة على أدوات السياسات الإقتصادية (المالية والنقدية والتجارية)، وعلى معابرها ومواردها الطبيعية. فهذه السلطة ولدت منقوصة السيادة، وبالتالي لم تستطع الإنعتاق من حالة التبعية للإقتصاد الإسرائيلي والإعتمادية الكبيرة على مصادر خارجية وغير ذاتية للنمو (المساعدات الخارجية والعمل في إسرائيل وغيرها). ويذكر تقرير الأونكتاد (2008، ص1) بهذا الخصوص: "من غير الدقيق إرجاع هذا التردي في الإقتصاد الفلسطيني الى الأحوال السياسية والأمنية وحدها. فالحقيقة أن القضايا الأساسية التي تحدد الآفاق الإقتصادية الفلسطينية لم تتغير خلال العقود الأربعة السابقة بل إنها إستمرت وتفاقمت. وأبرز سمة بهذا الخصوص هو ضيق هامش السياسة الإقتصادية المتاح للسلطة بموجب نصوص بروتوكول باريس لعام 1994 والمبني على إتفاق آوسلو المرحلي. فهذا الإتفاق قد ثبت التشوهات الهيكلية في الإقتصاد الفلسطيني التي بدأت تتراكم مع الإحتلال الإسرائيلي للضفة وقطاع غزة عام 1967".
وبذلك فقد بقيت معظم أدوات السياسات الإقتصادية الرئيسية والموارد الطبيعية في أيدي الإسرائيليين، وتركزت جهود الفلسطينيين على التعاطي والتعايش مع نتائج فقدان السيطرة على هذه الأدوات ضمن منظومة الواقع الإحتلالي. ويرى البعض بأن المشكلة الأساسية تكمن في النموذج التنموي الفلسطيني المطبق من قبل السلطة والمانحين والذي يتوافق مع عملية سلام آوسلو والذي ركَّز على بقاء هذه العملية على قيد الحياة أطول فترة ممكنة. ويفترض هذا النموذج بأن الإحتلال الإسرائيلي عاملاً خارجياً أو عامل خارج السيطرة والتحكم، وبالتالي يجب قبول وجوده والتحرك تنموياً ضمن الحيز الذي يسمح به، وكأن سياق الحياة في الأراضي الفلسطينية هو واقع ما بعد الإستعمار. ولهذا نجد المزيد من الدعوات لتبني فكرة تقول بأن التنمية المستدامة تحت الإحتلال غير ممكنة، وبالتالي يجب إعتماد نسق تنموي بديل قادر على تحقيق الإعتماد على الذات ومواجهة الإحتلال وتحقيق العدالة الإجتماعية والإجتماعية بهدف التحرير وليس التعايش مع الإحتلال.
فالمؤشرات الإقتصادية والإجتماعية التي تم تسجيلها طيلة الفترة التي أعقبت قيام السلطة في عام 94، تقدم دليلاً على هشاشة الوضع التنموي الفلسطيني وإستمرار التشوهات البنيوية في الإقتصاد. وعليه فإن إستمرار الإحتلال الإسرائيلي بكافة تجلياته هو المسبب الأول للأزمات الإقتصادية الفلسطينية، وإن أي تغاضي عن ذلك سيقود الى معالجة أعراض ومظاهر المشكلة وليس حل المشكلة نفسها.
ومنذ تأسيس السلطة وحتى عام 2006، تحكَّم في اتجاهات آداء الاقتصاد الفلسطيني اربعة عوامل متداخلة هي:
- اتفاقات المرحلة الانتقالية الموقعة مع اسرائيل.
- سطوة الاحتلال الاسرائيلي وفرضه امرا واقعا على الأرض مس كل الجوانب الحياتية للمواطنين تقريباً بخلاف معظم نصوص الاتفاقات الموقعة معها.
- منسوب وطبيعة المساعدات الدولية.
- المنهج والسياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة في ادارة الاقتصاد الوطني.
وفي العام 2006 بدأ المشهد الاقتصادي في قطاع غزة يتأثر بعامل جديد وربما الأهم نسبياً هو الحصار الاسرائيلي المباشر والمحكم. ومما زاد المشهد الاقتصادي الفلسطيني بشقيه تعقيداً الحدث العرضي المؤلم الذي عاشه الشعب الفلسطيني منذ عام 2007 والمتمثل في الإنقسام السياسي والمؤسسي بين الضفة وغزة.
ولإحداث تطور جوهري ومستدام في الإقتصاد الفلسطيني، لا بَّد من إحداث تغيير ملحوظ في واحد من هذه العوامل بدءاً من قواعد وأسس العلاقات السياسية والأمنية مع إسرائيل. وطالما بقيت هذه العوامل على حالها، سيبقى الوضع الإقتصادي الفلسطيني هشاً ومشوهاً ومنكشفاً بإستمرار على الصدمات والأزمات الخارجية.
هذا مع التأكيد على أن هذه العوامل تتفاوت من حيث درجة ونطاق تأثيرها على مسار الاقتصاد الفلسطيني وتشكيل خصائصه وملامحه. وليس مستغرباً أن يكون عامل المنهج الإقتصادي المعتمد من قبل السلطة والسياسات المنبثقة عنه أقل هذه العوامل مساهمة في تحديد مسار الإقتصاد المحلي على المستويين العملياتي والإستراتيجي. ويعود ذلك الى الهامش المحدود الذي تركته الإتفاقات مع إسرائيل للسلطة على صعيد التحكم بمفاتيح حركة الإقتصاد من جهه، والى الممارسات التعسفية التي تنفذها سلطات الإحتلال الإسرائيلية بشكل يومي بحق الشعب الفلسطيني وموارده الطبيعية وإقتصاده الوطني بخلاف نصوص الإتفاقات على سوؤها.
فلم تملك حكومات السلطة المتعاقبة إلا هامشاً محدوداً على صعيد رسم وتنفيذ سياسة تجارية مستقبلية عن إسرائيل بحكم إرتباط الإقتصادين بغلاف جمركي واحد، أو سياسة نقدية بسبب عدم وجود عملة وطنية متداولة في الأسواق المحلية. أمَّا على صعيد السياسة المالية، فإن الحكومة الفلسطينية تملك هامشاً واسعاً ويكاد أن يكون مطلقاً في مجال إدارة وتوجيه الإنفاق العام وكذلك في تحديد نسب وشرائح الضرائب المباشرة (الدخل والأملاك)، ولكنها لا تملك نفس الهامش في مجال الضرائب غير المباشرة (القيمة المضافة والرسوم الجمركية). ولهذه الإعتبارات، فإن السياسة المالية ربما تكون هي المدخل الواقعي للتـاثير على مسار الإقتصاد الفلسطيني ولو نسبياً في ظل الظروف الراهنة. وقد يكون لتبني سياسات ملائمة ومتوازنة وعادلة في الحالة الفلسطينية لإدارة العملية التنموية أهمية إضافية بسبب القيود الإسرائيلية الثقيلة والتي تحاول أن تقوض أي فرصة أمام الإقتصاد الفلسطيني كي ينمو ويتطور.
2.1 أداء الاقتصاد الفلسطيني والتحديات التي تواجهه
أولاً: نمو متذبذب وغير تنموي وغير مستدام !!
ادت سياسات الاحتلال وممارساته إلى اضعاف العلاقة بين انتاجية العمل والاجور في الاقتصاد الفلسطيني، واضعاف العلاقة بين الانتاج والاستهلاك، وإضعاف التنوع الصناعي، واعتماد الاقتصاد الفلسطيني على نشاط وفعاليات المشاريع الصغيرة والمتوسطة (SMEs)، والتي لا تستطيع الاستجابة إلى الزيادة المتنامية في عرض العمالة الفلسطينية. فبعد ان سجل الاقتصاد الفلسطيني أعلى نسبة نمو في العالم عام 1999، تدهورت المؤشرات الاقتصادية بشكل كبير جدا بعد اندلاع انتفاضة الاقصى في الربع الاخير من العام 2000، وخلال العامين 2001 و 2002 حيث انخفض الناتج المحلي بشكل كبير، ونتج عنه زيادة مفرطة في نسبة البطالة وصلت الى اعلى مستوياتها والتي تراوحت مابين 25-35%، واستمرت عند هذه المستويات حتى مطلع العام 2005. الا ان الاوضاع الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية عادت فتحسنت تدريجياً في فترة الهدوء النسبي خلال السنوات 2004-2005، وبدأ الناتج المحلي الاجمالي يحقق نسب نمو متارجحة مابين الاعوام 2006-2007، ثم حقق معدل نمو في سنة 2008 بلغ 5.9% (سنة الاساس 1997)[1]، وبلغ نصيب الفرد من الناتج 1,340.4 دولار، وقد كاد يكون أكبر لولا الانخفاض الحاد في الناتج المحلي المتحقق في الربع الرابع من العام نفسه إثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والأضرار المصاحبة له. وتواصل النمو في الناتج المحلي الاجمالي في الاعوام 2009[2] و 2010 و2011 وبنسبة تراوحت بين 6-7%، ومحققا تحسن ملموس في نصيب الفرد من الناتج المحلي حيث وصل الى حوالي 1600 دولار. ورغم ذلك بقي نصيب الفرد من الناتج المحلي دون المستوى الذي كان عليه في عام 1999 (حيث وصل الى 1800 دولار) وعاد هذا النمو الى التباطؤ في عام 2012 بسبب تراجع المساعدات الدولية وبالتالي الإنفاق الحكومي وبسبب حالة عدم اليقين الذي يسود المشهد السياسي المحلي والإقليمي. وجدير ذكره بأن معظم هذا النمو أتى في السنتين الأخيرتين من قطاع غزة وليس من الضفة الغربية بسبب التخفيض النسبي للحصار على القطاع وتسارع وتيرة حركة التجارة عبر الانفاق، مما زاد من وتيرة تنفيذ مشاريع إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة من قبل المؤسسات الدولية والمحلية، وحفّز حركة قطاع التطوير العقاري والانشاءات. ومع هذا بقي نصيب الفرد من الناتج المحلي في غزة أقل بحوالي 40% من مستواه في الضفة.
ولكن بقى هذا النمو المتحقق في السنوات الأربع الماضية بدون تاثير جوهري على معدلات البطالة والفقر ومستويات معيشة المواطنين الفلسطينيين، وبقي محركه الرئيسي الانفاق الحكومي المعتمد في جزء هام منه على المساعدات الدولية وليس النشاط الاستثماري الخاص. وبالتالي هناك قناعة متزايدة بأن هذا النمو هو غير مستدام وغير تنموي.
ثانياً: إستمرار التحدي المزدوج (البطالة والفقر)
اتسمت معدلات البطالة في الأراضي الفلسطينية للفترة 1995-2012 بالتقلب الشديد، وذلك تبعاً للأوضاع السياسية والاقتصادية السائدة محلياً وإقليمياً. وتعتبر سياسة الإغلاق والحصار الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية العامل الحاسم والمؤثر في معدلات التشغيل والبطالة، حيث يتراجع في أوقات الإغلاق والحصار حجم العمالة الفلسطينية في إسرائيل والمستوطنات، ويرتفع حجم ومعدل البطالة بصورة حادة ومفاجئة. وبالرغم من معدلات النمو الإقتصادي المرتفعة نسبياً في السنوات الستة الماضية إلا أن معدل البطالة بقي يراوح مكانه على مستوى الأراضي الفلسطينية، أي بقي عند 24%، وإن كان هذا المعدل في قطاع غزة هو أعلى بكثير من مثيله في الضفة. وكما أن معدل البطالة الأعلى هو في فئة الشباب سواء في الضفة أو غزة، بحيث يصل الى 35% (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، الربع الثالث 2012)
وعليه بقي الانتشار الكلي للفقر مرتفعاً في الأراضي الفلسطينية وإن كانت معدلات الفقر في قطاع غزة أعلى منها في الضفة الغربية. ورغم أن الاتجاه العام لمؤشرات الفقر هو في حالة تناقص خلال الفترة 2004-2011، إلا أن نسب الفقر في جميع المناطق لا تزال مرتفعة، وكان أعلى معدل للفقر في الأراضي الفلسطينية (31.2%) في عام 2007، وأدناها (21.9%) في عام 2011. فمؤشرات الاداء الاقتصادي الكلي في مناطق السلطة للأعوام القليلة الماضية، تقدم الدليل الكافي على صحة الرأي القائل بأنه يمكن تحقيق معدلات نمو اقتصادي عالية نسبياً، دون تنمية مستدامة. كما أن هذا النمو لم ينجح في ردم الفجوات التنموية بين المناطق الجغرافية وشرائح المجتمع المختلفة. فهذا النمو يمكن وصفه بأنه نمو غير خالق لوظائف العمل ""Jobless Growth او انه لم يتمكن من خلق فرص عمل كافية لاستيعاب قوة العمل الداخلة للسوق سنويا. هذا الى جانب التراجع المتواصل في القدرة الإستهلاكية لدخول المواطنين نتيجة لموجات ارتفاع الاسعار منذ عام 2007، مع بقاء متوسط ألأجر اليومي الاسمي في الأراضي الفلسطينية دون تغيير، اي عند 70 شيكل يوميا، بين الأعوام 2008-2012، أما الاجر الحقيقي فقد انخفض خلال هذه الفترة.
ثالثاً: اختلال التوازن الداخلي: العجز المزمن في الموازنة العامة
العجز الجاري والتطويري في موازنة السلطة يشكل أحد الاختلالات الهيكلية والتحديات الرئيسية التي تواجه الاقتصاد الفلسطيني. ويتسم الوضع المالي للسلطة بثلاث سمات اساسية هي:
السمة الأولى: تزايد العجز الجاري المطلق وانخفاض نسبته من الناتج المحلي الإجمالي، حيث انخفض من 28% عام 2007 الى 15% عام 2012. أما نسبة العجز الكلي (الجاري + الرأسمالي) إلى الناتج المحلي الإجمالي فقد بقيت بالمتوسط عند 20% في تلك الفترة. وتعتبر هذه النسبة مرتفعة جداً مقارنة مع بعض الدول العربية، حيث بلغت نسبة العجز الكلي من الناتج المحلي الإجمالي للفترة 2005-2007 بالمتوسط 4.75% في الأردن، و3.5% في موريتانيا، و11.3% في لبنان ( سلطة النقد الفلسطينية، المؤشرات الاقتصادية للدول العربية، الموقع الألكتروني).
السمة الثانية: الاعتماد على المنح والمعونات الخارجية لتمويل عجز الموازنة العامة. فخلال السنوات الاخيرة غطت هذه المساعدات حوالي 83% بالمتوسط من العجز الجاري. أما الموازنة التطويرية فقد اعتمدت بشكل كامل تقريباً على المعونات الخارجية.
السمة الثالثة: تفاقم الدين العام، بحيث اقترب مع نهاية عام 2011 من 5 مليار دولار، موزَّعة على دين محلي (قروض مصرفية وديون تجارية) مقداره 2 مليار دولار ودين خارجي مقداره 1.2 مليار دولار والتزامات غير مسدّدة لهيئة التقاعد والمعاشات بحوالي 2 مليار دولار. ويزيد مستوى هذا الدين عن 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو السقف الذي حدده قانون الدين العام في مادته الخامسة. ومن ناحية ثانية، فإن التوسع في الدين العام الداخلي له مثالب إقتصادية قوية تضر بالإستثمار الخاص لانه من جهة يرفع سعر الفائدة على الأموال المقترضة ومن جهة أخرى يقلص القروض المتاحة للإستثمارات الخاصة أو ما يعرف بتأثير المزاحمة، لاسيما وان هذه القروض تستخدم لتمويل النفقات الجارية وليس الاستثمارية. ناهيك عن تأثيراته السلبية على رفاهية الاجيال القادمة.
ويمكن ارجاع جزء من العجز المتفاقم في موازنة السلطة الى انخفاض الايردات المتولدة في قطاع غزة والمحولة الى خزينة السلطة في رام الله بشكل كبير جدا، حيث انخفضت نسبة مساهمة قطاع غزة في الايرادات الحكومية الى 2% في عام 2011 بينما كانت 28% في عام 2006. في حين استمرت السلطة في دفع رواتب ونفقات القطاع الحكومي الرسمي في غزة، والتي شكلت ما يقارب 39% من إجمالي النفقات العامة.
وفي الخلاصة يمكن القول بأن السلطة كما الاقتصاد الفلسطيني يواجهان حاليا مشكلة مستعصية عنوانها "ضعف مستوى الاستدامة المالية"، ولعلها ستبقى المشكلة الأبرز والأخطر في المستقبل المنظور وخصوصا في ظل قرار الحكومة الاسرائيلية الأخير في أعقاب الانجاز الفلسطيني في الامم المتحدة بحجز العوائد الضريبية التي تجبيها لصالح السلطة والمقدرة بحوالي 120 مليون دولار شهريا اي حوالي ثلثي الايرادات العامة الاجمالية. وهذا القرار التعسفي عمق بلا شك الأزمة المالية للسلطة والتي بدأت تظهر بوضوح في الأشهر الماضية، بحيث بدت السلطة عاجزة عن دفع كامل فاتورة الرواتب بإنتظام. ولمواجهة هذه الأزمة، لجأت الحكومة الفلسطينية مع بداية عام 2012 الى إدخال تعديلات على الشرائح والنسب الضريبية، الأمر الذي قوبل بإحتجاج شعبي واسع نظراً لأن ذلك يُحمل المجتمع الفلسطيني أعباء إقتصادية إضافية ستزيد من معاناته التي يعيشها أصلاً. وامام هذا الإحتجاج الشعبي، إضطرت الحكومة الى التراجع عن بعض التعديلات. وقد يكون الخيار الوحيد المتاح حاليا لمواجهة هذه الازمة هو تنفيذ الدول العربية لتعهداتها بتقديم الدعم المالي المقرر بحوالي 100 مليون دولار شهريا في اطار شبكة الامان المالية.
رابعاً: اختلال العلاقة بين الادخار والاستثمار
يعاني الاقتصاد الفلسطيني من وجود فجوة عميقة ما بين الادخار والاستثمار، تظهر في عدم قدرة الادخارات المحلية على تغطية الاستثمارات المحلية الإجمالية (التكوين الرأسمالي الإجمالي). ففي خلال الفترة 1994-2012 كانت قيم الادخارات القومية المتاحة منخفضة جداً أو سالبة في بعض السنوات (2003 و 2004) مقارنة بحجم الاستثمارات المحلية الإجمالية. وتشير بيانات الحسابات القومية إلى أن الإنفاق الاستهلاكي النهائي يفوق الناتج المحلي الإجمالي ويستحوذ على معظم الدخل القومي الإجمالي، مما يعكس هيمنة الطابع الاستهلاكي من ناحية وهامشية الادخار في مكونات الدخل القومي المتاح من ناحية أخرى. كما أن هذا الوضع قاد الى تزايد منسوب مديونية معظم الأسر الفلسطينية، والتي اضطرت في السنوات الأخيرة للأقتراض من البنوك لسد الفجوة بين دخولها الحقيقية واحتياجاتها المعيشية المتزايدة.
خامساً: تعاظم سيطرة قطاعات الخدمات والتجارة على حساب قطاعات الإنتاج السلعي
تشير بيانات الحسابات القومية للفترة 1994-2011 إلى تعاظم مساهمة قطاعات الخدمات والتجارة في تكوين الناتج المحلي الإجمالي للأراضي الفلسطينية. مقابل تراجع ملموس وكبير في مساهمة قطاعات الإنتاج السلعي. حيث تشير هذه البيانات إلى تراجع المساهمة النسبية لقطاعات الإنتاج السلعي للأراضي الفلسطينية من حوالي 39.0% بالمتوسط للفترة 1994-1999 إلى 30.5% للفترة 2000-2004، ثم إلى 26.6% للفترة 2005-2011، بينما ازدادت المساهمة النسبية لقطاعات الخدمات[3] من 61.0% إلى 69.5% ثم إلى 73.4% بالمتوسط للفترات الثلاث المذكورة على التوالي، وهو ما يشير إلى تعمق السمة الخدماتية للاقتصاد الفلسطيني. وتبدو الصورة أكثر سوءاً عند النظر للمصدر القطاعي للناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة، حيث تراجعت قطاعات الإنتاج السلعي من 34.2% بالمتوسط للفترة 1994-1999 إلى حوالي 28.3% للفترة 2000-2004، ثم إلى 21.5% للفترة 2005-2011. بالمقابل تعاظم دور قطاعات الخدمات والتجارة في تكوين الناتج المحلي الإجمالي، والتي بلغت مساهمتها النسبية أكثر من ثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي للفترة 2005-2011. ومن التأثيرات السلبية لهذه الظاهرة تناقص قدرة الاقتصاد على خلق فرص التشغيل وتزايد انكشاف الاقتصاد المحلي للصدمات و التقلبات الخارجية.
كما أن القطاعات الإنتاجية (خاصة الزراعة) لم تحظ حتى اللحظة بأولوية، أو على الأقل باهتمام خاص في برامج المانحين وخطط التنمية والموازنات العامة الفلسطينية. وهذا التحول الهيكلي في الاقتصاد الفلسطيني أدى إلى الاعتماد على المستوردات من سلع الاستهلاك خاصة من الاقتصاد الإسرائيلي لتلبية الطلب المحلي.
سادساً: عجز متزايد في الميزان التجاري السلعي والخدمي
تشير بيانات الميزان التجاري السلعي والخدمي وفقاً للحسابات القومية الفلسطينية إلى ما يلي:
- ارتفاع نسبة العجز في الميزان التجاري السلعي والخدمي من الناتج المحلي الإجمالي حيث بلغت أكثر من نصف (54.0%) الناتج المحلي الإجمالي في الفترة 2005-2011. وقد بلغ حجم الواردات من السلع والخدمات ما يقارب 4 مليار دولار، بينما بقيت الصادرات عند 500 مليون دولار كما في نهاية عام 2011. وتعتبر هذه النسبة مرتفعة مقارنة مع دول عربية مجاورة كالأردن حيث بلغت بالمتوسط 38.5% للفترة 2005-2007 (سلطة النقد الفلسطينية، المؤشرات الاقتصادية للدول العربية ، الموقع الألكتروني).
- تدني نسبة الصادرات (سلع وخدمات) من الناتج المحلي الإجمالي، حيث تراوحت ما بين 12%- 16% بالمتوسط في السنوات الاخيرة مقابل ارتفاع نسبة الواردات (سلع وخدمات) من الناتج المحلي الإجمالي والتي تراوحت ما بين 70.0% - 73.0% وهو ما يشير إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يعد اقتصاداً مستورداً بالدرجة الأولى. كما أن ارتفاع نسبة الواردات من الناتج المحلي الإجمالي تعني ارتفاع نسبة تسرب الدخل المحلي للخارج، وهو ما يؤدي إلى نقص الطلب (الإنفاق) المحلي، مما يؤثر سلباً على نمو الناتج المحلي الإجمالي، وذلك تحت تأثير مضاعف الإنفاق.
- ارتفاع درجة تركز التجارة الخارجية مع إسرائيل: اظهرت البيانات المتاحة ارتفاع مؤشر التركز الجغرافي للتجارة الخارجية السلعية الفلسطينية، حيث شكلت الصادرات السلعية إلى إسرائيل أو من خلالها عبر قنوات التسويق الإسرائيلي أكثر من 90% بالمتوسط من إجمالي الصادرات السلعية، في حين لم تتجاوز نسبة الصادرات السلعية إلى الدول العربية (5%)، (ومعظمها مع الأردن ومصر والسعودية). أما الواردات السلعية الفلسطينية من إسرائيل أو من خلالها فشكلت حوالي 80% بالمتوسط من إجمالي الواردات السلعية.
3. أجندة الاصلاح الاقتصادي المطلوبة
بطبيعة الحال فإن الاتجاه الذي سيذهب به المشهد السياسي الفلسطيني في علاقاته الداخلية وعلاقته مع إسرائيل والمجتمع الدولي، سيكون له بالغ الأثر على الوضع الاقتصادي بشقيه العام والخاص. ولأغراض هذه الورقة، سيتم اقتراح السياسات والخيارات الإقتصادية الممكنة في الوضع القائم. هذا بدون أن يعني ذلك عدم وجود احتمال لحدوث السيناريوهات الاخرى والتي ستقود الى تغيرات اقتصادية استراتيجية على الساحة الفلسطينية في حال حدوثها. وستبقى هذه الخيارات محدودة وذات طابع تنظيمي للأسواق والعلاقات الإقتصادية الداخلية، وليست ذات تأثير على جوهر المسار الإستراتيجي للإقتصاد الفلسطيني. وربما المساحة الأكثر إتساعاً لتطبيق مثل هذه الخيارات ستكون في مجالي السياسة المالية العامة وإعادة تصويب بعض السياسات القطاعية لإستعادة التوازن الإقتصادي الداخلي وتحقيق مزيداً من العدالة الإجتماعية بين أفراد وشرائح المجتمع الفلسطيني.
اولاً: على صعيد السياسة المالية العامة
يجب التأكيد أولاً على أن المساعدات الدولية قد لا تستمر الى الأبد، على الأقل ضمن الوتيرة الحالية، وبالتالي يجب أن لا تبقى عنصراً دائماً وثابتاً في الإستراتيجية التنموية، بل يجب النظر إليها بإعتبارها مؤقتة وغير مضمونة توجب على الفلسطينيين بذل أقصى درجة ممكنة من الحكمة والكفاءة في إستغلالها عند توفرها مع مواصلة البحث عن السبل الكفيلة بالتخلص من الإعتماد عليها تدريجياً. وقد بدأت اعتمادية السلطة على المساعدات الدولية فعلاً بالانحسار خلال السنتين الماضيتين. هذا التوجه الحكومي قد يكون مشروع ومبرر سياسيا واقتصاديا، ولكنه لا يخطي باجماع وطني حيث يرى الكثيرون بأن هذه المساعدات هي ضرورية لتعويض الفلسطينيين عن الاضرار التي تلحق بهم بسبب الاحتلال الاسرائيلي. وبالتالي فان هذه المساعدات يجب ان تستمر طالما بقي الاحتلال قائما. ووضعت الحكومة لنفسها هدف طموح وربما غير واقعي يتمثل في الاستغناء عن هذه المساعدات مع نهاية عام 2013، ولكن ذلك لم يتحقق. ولذا من المتوقع ان تبقى هذه المساعدات الدولية عنصراً هاماً في تمويل العجز الكلي في الموازنة في السنوات الثلاث القادمة.
ملامح السياسة المالية الممكنة !!
الخيارات المفترضة لأي دولة لحل أزمتها المالية هي:
- زيادة الايرادات المحلية (الضريبية وغير الضريبية) اما عبر توسيع طاقة الاقتصاد المحلي او عبر تحسين الجباية الضريبية من خلال توسيع القاعدة الافقية للضرائب او من خلال الحد من ظاهرتي التهرب و التسرب الضريبي.
- التقشف في النفقات العامة، من خلال إعادة جدولتها على قاعدة ”الأولى فالأولى“، أو من خلال تحسين كفاءة الإنفاق ووقف هدر المال العام. ويجب الإشارة هنا الى أن هناك فرق بين ”التقشف“ و“الترشيد“.
- الإقتراض الإضافي حسبما تسمح به القوانين والأنظمة النافذة، وذلك إمَّا من خلال السوق المصرفي أو السوق المالي.
- إستقطاب مساعدات عربية ودولية طارئة.
أما الأسس الرئيسة التي يجب ان تستند إليها المقترحات المتعلقة بتقليص العجز المالي فهي:
1. العدالة الاجتماعية في توزيع العبء الضريبي بين مكونات المجتمع الفلسطيني
2. تحفيز الاقتصاد وخلق فرص للاستثمار بغرض النمو على طريق تحقيق التنمية المستدامة.
3. وحدة الوطن والاقتصاد والخزينة الفلسطينية
مقترحات محددة حول السياسة المالية:
1. إعادة هيكلة النظام الضريبي الفلسطيني بحيث تأخذ بعين الاعتبار عاملين هما: أولاً تشجيع الاستثمارات الخاصة، والثاني العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
2. التفكير الجدي بفصل ضريبة الدخل على الشركات، عن ضريبة الدخل على الأفراد مما يستدعي وضع قانون مستقل لضريبة الدخل(الأرباح) على الشركات كما هو حاصل في العديد من الدول العربية وغير العربية.
3. التفكير الجدي بإصدار سندات غير مستردة يطلق عليها سندات التحرير والبناء بسعر عشر دولارات ومضاعفاتها يمكن تسويقها في بلدان الشتات وعمل سجل ذهبي لمشترييها
4. العمل على ترشيد الانفاق وزيادة الدخل حيث يجب أن يكون هناك قرارات سياسية قوية وواضحة تقنع المواطن بأن عليه ان يعي المرحلة وأن يتقشف بدوره، مثل سياسة الحد من التعينات والزيادات ووقف الرواتب لغير القائمين على رأس عملهم او الرواتب من أكثر من مصدر، وكذلك خفض موازنات الامن وتصويب الصرف في قطاع غزة.
5. توسيع القاعدة الضريبية من خلال فتح ملفات ضريبية لأصحاب المهن الحرة كالأطباء والمحامين والمهندسين والمحاسبين والمستشارين الذين يعملون حتى تاريخه بدون دفع أي ضريبة على نشاطاتهم وأعمالهم.
6. الاتصال برجال الأعمال والتجار في غزة لحثهم على تقديم فواتير المقاصة للحكومة مقابل حوافز وتسهيلات معينة يتم الاتفاق عليها، وذلك للحد من ظاهرة التسرب الضريبي لصالح إسرائيل.
ثانياً: على صعيد السياسات الاقتصادية الكلية والقطاعية
- إستكمال وتحديث منظومة التشريعات الاقتصادية من خلال إصدار قانون شركات عصري وموحد، وقانون المنافسة، قانون لتسجيل الاراضي، وقانون تسوية الديون وغيرها.
- دعم مؤسسات الخدمات والرعاية الاجتماعية المساندة للفئات المهمشة والفقيرة: تعتبر شبكة الامان الاجتماعي وشبكات المساعدات الاجتماعية الموجهة للاسر الفقيرة من الاولويات المباشرة والضرورية للحفاظ على الحد الادنى من تماسك النسيج الاجتماعي، خاصة في ظل استمرار تنامي أعداد الفقراء والمحتاجين بسبب تدهور الاوضاع الاقتصادية. وتعتبر زيادة مخصصات وزارة الشؤون الاجتماعية من القضايا العاجلة التي تزيد من قدرة الوزارة على زيادة كفاءة ومستوى تغطية المساعدات التي تقدمها على شكل معونات إنسانية وطارئة للأسر المحتاجة، وخصوصا العائلات التي تضررت بشكل مباشر من الإجراءات الإسرائيلية ولكن على وزارة الشؤون الاجتماعية أن تبدأ بالتركيز على التمكين الاقتصادي للعائلات المستهدفة من خلال مساعدتهم على تأسيس مشاريع مولدة للدخل بدلاً من إغاثتهم. ومن الاجراءات المطلوبة الأخرى:
- توفير برامج التأمين الصحي للمواطنين ذوي الإمكانيات المحدودة برسوم رمزية، بما في ذلك توفير الدواء لهم بأسعار مدعومة.
- إنشاء صندوق للحماية من البطالة بمساهمة أطراف العلاقة الثلاث ( الحكومة ، وأصحاب العمل، والعمال).
- الاستمرار في تطوير برامج خاصة للتشغيل الطارئ.
- المساهمة في توفير برامج تدريب لتأهيل العمال غير المهرة.
- محاربة التضخم ودعم السلع و الخدمات الأساسية شائعة الاستهلاك بين المواطنين.
- إعادة النظر في قرار الحد الأدنى للأجور قبل أن يدخل خيز التنفيذ، بإتجاه جعله أكثر عدالة وإستجابة لطموحات الطبقة العاملة.
- الاهتمام بالمنتج الوطني ودعمه وتوفير متطلبات البقاء والصمود للأفراد ومؤسسات الأعمال من خلال:
- توفير ودعم مستلزمات الإنتاج الزراعي من خلال الاعفاءات الضريبية أو الدعم المباشر.
- تركيز الإنتاج حسب احتياجات السوق المحلي، وليس السوق الخارجي اي اعتماد سياسة احلال الواردات بدل زيادة الصادرات.
- تشجيع ودعم دور التعاونيات الزراعية التي تساعد المزارعين الفلسطينيين على البقاء والنمو.
- توفير حماية مؤقتة للصناعات الوطنية الوليدة، من خلال سياسة جمركية مدروسة.
- الرقابة على المستوردات السلعية وضمان مطابقتها للمواصفات والمقاييس الوطنية.
- تفعيل القرار الحكومي الاخير بإعطاء أولوية للمنتجات المحلية في المشتريات الحكومية بشرط أن تلبي متطلبات المواصفات والمقاييس الفلسطينية، وحتى لو زادت أسعارها ب 15% عن المنتجات المستوردة.
- اعادة النظر في التعديلات التي جرت مؤخراً على قانون تشجيع الإستثمار والتي يتم بموجبها رفع رأس مال المشاريع التي تستفيد من الإعفاء الى 250000 دولار بدلاً من 100000 دولار في القانون الأصلي، وهذا مخالف تماماً لجميع توصيات الدراسات والتقارير السابقة والتي ترى بضرورة توفر حوافز ضريبية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة وليس للكبيرة فقط.
- اعادة النظر في الرسوم الجمركية على السلع المستوردة بحيث تخفف هذه الرسوم عن السلع الاساسية وترفع على السلع التي تعاني من المنافسة الشديدة من المنتجات الاسرائيلية والصينية وهذا ينطبق ايضا على معدلات ضريبة القيمة المضافة.
- تكثيف حملات تنظيف مناطق السلطة من منتجات المستوطنات، و تشجيع المبادرات المجتمعية لمقاطعة المنتجات الاسرائيلية التي لها بديل فلسطيني و ذلك لتشجيع المنتجات الوطنية.
- تبني برامج دعم فني و بالتنسيق مع مؤسسات القطاع الخاص التمثيلية للمنشات الصناعية الفلسطينية لتمكينها من رفع جودة منتجاتها و تخفيض تكاليفها حتى تزيد من قدرتها التنافسية محليا و خارجيا.
- تحسين المناخ الاستثماري وبيئة الاعمال من خلال التركيز على منشآت الاعمال الصغيرة والمتوسطة حيث يمكن العمل على:
- تعظيم استفادة المنشآت من برامج التأمين ضد المخاطر السياسية الممول من البنك الدولي والحكومة الفرنسية وغيرها من الجهات للحد من تأثير البيئة السياسية غير المستقرة على قطاع الاعمال.
- ادخال التعديلات اللازمة على التشريعات الفلسطينية بما يراعي خصوصية الاقتصاد الفلسطيني الذي يغلب عليه المنشآت الصغيرة والمتوسطة. وبوجه خاص، يمكن اجراء تعديلات على قوانين الضريبة والاستثمار والمصارف والعمل.
- تبسيط الاجراءات اللازمة لعملية تسجيل الشركات وذلك لتشجيع الاستثمارات.
- تشجيع المنشآت الصغيرة على التسجيل والعمل ضمن القطاع المنظم، مع منحها تطمينات بشأن تخفيض الالتزامات المترتبة عليها نتيجة التسجيل. والاستفادة من برامج تسهيل الاجراءات الممول من مؤسسة التمويل الدولية بالتعاون وزارة الاقتصاد.
- ضبط وتقنين السياسات الحكومية بما يخدم منشآت الاعمال الصغيرة. والعمل على استقرارها من أجل زيادة قدرة المنشآت على التعامل مع السياسات وفق أسلوب علمي مدروس وممنهج وطويل الامد وليس وفقاً لمبدأ ردات الفعل.
- اعادة النظر في طبيعة الأدوار التي تضطلع بها المؤسسات المساند. والعمل على تحسين أداءها بما يضمن زيادة تغطية عمل هذه المؤسسات ليطال عدد أكبر من المنشآت وزيادة توزيعها قطاعياً وجغرافياً.
- تخصيص موازنات أكبر من قبل السلطة والمؤسسات المانحة لتحسين خدمات البنية التحتية، وزيادة التنسيق بين مختلف الاطراف بما يضمن مساهمة هذه المرافق في الحد من تكاليف الاستثمار والانتاج للمنشآت.
- تأسيس صندوق إقراض تجميعي بمساهمات فردية من البنوك وربما أيضاً من الجهات المانحة بهدف منح هذه المنشآت تمويلاً وشروطاً ميسّرة. وإعادة هيكلة مؤسسات التمويل غير المصرفية، بما يؤدي إلى تخصصها في الإقراض للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في القطاعات والأنشطة الاقتصادية المختلفة.
- ضرورة توحيد تعريف وتصنيف منشآت الاعمال بين كبيرة وصغيرة ومتوسطة وذلك لأغراض استخداماتها من قبل الجهاز المصرفي حتى يسهل نشر بيانات عن تمويل هذه المنشآت والاستفادة من ذلك في تطوير السياسات المصرفية.
- ضرورة تفعيل إسراع سلطة النقد الفلسطينية في مأسسة العلاقة بين مؤسسات ضمان القروض الخاصة من جهة والجهاز المصرفي من جهة أخرى لتحفيز هذا الجهاز على إعطاء ومنح تسهيلات إئتمانية أكبر للمنشآت الصغير والمتوسطة، وهي الاقل قدرة في الوصول لمصادر التمويل
- العمل على إصلاح التشوهات في سوق العمل، من خلال استيعاب الجزء الأكبر من الأيدي العاملة الفلسطينية داخل الاقتصاد الفلسطيني، وبالذات داخل القطاع الخاص. و يتطلب ذلك تفعيل دور صندوق التشغيل وتبني سياسات تعمل على زيادة إنتاجية العامل الفلسطيني من خلال التركيز على تصدير السلع والخدمات الفلسطينية ذات القيمة المضافة العالمية بدلا من تصدير العمالة الفلسطينية، من خلال الاهتمام بالتنمية البشرية وتحسين إنتاجية العمل، والاهتمام ببرامج التأهيل والتدريب المهني والتقني و تطور النظام التعليمي الجامعي، بما يتلاءم واحتياجات سوق العمل.
- تكثيف جهود الإصلاحات على كافة الصعد القضائية والإدارية والمؤسساتية، وبذل أقصى درجة ممكنة لمكافحة الفساد ووقف هدر المال العام.
- ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻁﺎﻉ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺯﻴﺎﺩﺓ ﺤﺠﻡ ﺍﻹﻨﺘﺎﺠﻴﺔ، ﻭﺘﺩﺭﻴﺏ ﺍﻟﻌﺎﻤﻠﻴﻥ، ﻭﺘﺯﻭﻴﺩﻫﻡ ﺒﺎﻟﻤﻌﺩﺍﺕ ﺍﻟﻼﺯﻤﺔ ﻟﺭﻓﻊ ﺘﻨﺎﻓﺴـﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﺘﺞ ﺍﻟﻔﻠﺴﻁﻴﻨﻲ، ﻓﻲ ﻤﻭﺍﺠﻬﺔ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﺍﻟﻤﺴﺘﻭﺭﺩﺓ.
- ﺇﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﺘﺴﺘﻨﺩ ﻭﺘﺘﺄﺴﺱ ﺒﺎﻻﻋﺘﻤﺎﺩ ﻋﻠـﻰ ﺘﺒﻨـﻲ ﺴﻴﺎﺴـﺔ ﻟﺘﻁـﻭﻴﺭ ﺍﻟﺼـﻨﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﺘﺼﺩﻴﺭﻴﺔ وخصوصاً للسلع الت تتمتع بميزة ﺘﻨﺎﻓﺴﻴﺔ ﻤﻘﺎﺭﻨﺔ ﻤﻊ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﻟﻠﺩﻭل ﺍﻟﻤﺠﺎﻭﺭﺓ، ﺃﻱ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻤﻜﻥ ﺇﻨﺘﺎﺠﻬﺎ ﺒﻜﻠﻔﺔ ﺃﺩﻨﻰ ﻤﻥ ﺍﻟﺩﻭل ﺍﻷﺨﺭﻯ، ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺫﺍ ﺍﻷﺴﺎﺱ ﻓﺈﻥ ﺘﻁﻭﻴﺭ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﺘﺼﺩﻴﺭﻴﺔ ﻤـﺭﺘﺒﻁ ﺃﺴﺎﺴـﺎﹰ ﺒﺎﻟﻤﻭﺍﺭﺩ ﺍﻟﻤﺘﺎﺤﺔ ﺍﻟﻼﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﻔﻠﺴﻁﻴﻨﻲ.
- ﺇﻥ ﺇﺴﺘﺭﺍﺘﻴﺠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺘﻤﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﺘﻌﺯﻴﺯ ﺘﻨﺎﻓﺴﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﺘﺞ ﺍﻟﻔﻠﺴﻁﻴﻨﻲ، ﻴﻤﻜـﻥ ﺃﻥ ﺘﹸﻌـﺯﱠﺯ ﺒﺴﻴﺎﺴﺔ ﺘﺼﺩﻴﺭ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﺍﻟﻤﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻌﺘﻤﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻜﺜﻔﺔ ﻟﻠﻌﻤل، ﺒﻘﺼﺩ ﺍﻻﺴﺘﻔﺎﺩﺓ ﻤﻥ ﻓـﺎﺌﺽ ﻋـﺭﺽ ﺍﻟﻌﻤل. ﻭﻴﻌﺘﻤﺩ ﻨﺠﺎﺡ ﻤﺜل ﻫﺫﻩ ﺍﻹﺴﺘﺭﺍﺘﻴﺠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺠﺎﻫﺯﻴﺔ ﺍﻷﺴﻭﺍﻕ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻭﺍﻷﺠﻨﺒﻴﺔ ﻭﺭﻏﺒﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺘﻘﺒل ﻤﺜل ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﺴﺘﻭﺭﺩﺍﺕ. ﻭﻤﻊ ﻨﺠﺎﺡ ﻤﺜل ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﺎﺕ ﻓﻲ ﺒﻌﺽ ﺍﻟﺩﻭل، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺸﻜل ﺍﻟﺴﺎﺌﺩ ﻫﻭ ﺘﺼﻨﻴﻊ ﺒﺩﺍﺌل ﺍﻟﻤﺴﺘﻭﺭﺩﺍﺕ. ﻭﺒﺎﻻﺴﺘﻨﺎﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻭﻕ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺘﻤﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﺘﺩﻓﻕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻭﺭﺩﺍﺕ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﺘﻘﺎﻡ ﻤﺠﻤﻭﻋﺔ ﻤـﻥ ﺍﻟﺼـﻨﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻭﻁﻨﻴﺔ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻘﺩﺭﺓ ﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺴﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻭﺭﺩﺍﺕ.
[1] اطار الاقتصاد الكلي والمالية العامة، صندوق النقد الدولي التقييم الثالث. التقرير السنوي الصادر عن معهد ماس لعام 2009.
[2] المراقب الاقتصادي، العدد 22،2011، . يشترك في إصداره كل من معهد ماس والجهاز المركزي للاحصاء وسلطة النقد الفلسطينية.
[3] تشمل قطاعات الخدمات كل من أنشطة الإدارة العامة والدفاع، تجارة الجملة والتجزئة، والنقل والتخزين والاتصالات، الوساطة المالية، الفنادق والمطاعم، الأنشطة العقارية والإيجارية، أنشطة التعليم والصحة والعمل الإجتماعي، والأنشطة الاجتماعية والشخصية، والخدمات المنزلية.